من هو الانسان الذي يعلم اسم الله الاعظم ولا ترد له دعوة
يعتبر الدعاء من أحد العبادات العظيمة التي أمرنا الله جلّ جلاله بها، و حثّنا رسوله الكريم على ملازمة الدعاء، فهو مناجاةٌ للعبد مع ربّه ليشكو إليه مشكلاته ومصائب الدنيا. كما تعهّد الله سبحانه وتعالى باستجابة الدعاء، فقد قال في كتابه الحكيم (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) سورة غافر، الآية 60.
رويت عدّة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تحدثت عن اسم الله الأعظم، والذي إذا دَعينا به أستجيب لنا مباشرةً، وهذا الاسم لم يعلّمه الله إلّا لعباده الاتقياء الصالحين.
وما سنتحدّث عنه هنا هو أحد هؤلاء الناس الذين عُلِّموا اسم الله الأعظم، وهو بِلعام بن باعوراء، والذي ورِد ذكره في القرآن الكريم في سورة الأعراف، الآية 157-176 {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَالَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَافَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
تدور أحداث هذه القصة في زمن سيّدنا موسى عليه السلام، إذ تلقّى هذا الرجل العلم على يدي النبي الكريم، وتعمّق في تعلّم التوراة حتّى أتمّ حفظها، وبلغ درجةً من العلم لم يبلغها إلا الأنبياء والمرسلين، وأصبح من غزارة علمه الذي لا يُحصى ولا يُعد من أبرزمعلّمي بني اسرائيل وأكثرهم معرفة. ومن شدّة فضل الله عليه، لم يكن بلعام يدعو بدعوة إلّا استجيب له ويحققها الله عز وجلّ.
لهذه الأسباب، أصبح بلعام من المقرّبين لنبي الله موسى عليه السلام، فأرسله إلى أهل مدين ليدعوهم إلى توحيد الله والإيمان بالرسالة السماويّة. استجاب بلعام، ولمّا وصل أهل مدين و بدء بدعوة أهلها، أعرضوا ولم يُسلموا كحال غيرهم من الأمم إلّا قليلاًمنهم، فكان بلعام يزيد من دعوته وإصراره لعلّ وعسى أن يخرج الله من بين أصلابهم من يوحّد الله ويؤمن برسالته. شعر أهل مدين أنّه لا خلاص لهم من هذا الشخص إلا بإغرائه بالمال والعطايا الكثيرة، وعرض عليه ملكهم بأن يعيش بينهم عيشة الملوك ويزوّجه أجمل بناتهم.
طلب بلعام من القوم أن يُمهلوه حتّى يتفكّر بالأمر، وشدّ رِحاله وقرر العودة إلى نبيّ الله موسى عليه السلام، إلا أن شيطانه لم يتركه في طريق عودته، وأقنعه بترك الآخرة الباقية وتفضيل الدنيا الفانية، وأغراه حبه للمال ونعيم الدنيا بالعودة إليهم وأبلغهم بالموافقة على عرضهم.
رغم فضل الله عليه، إلا أن بلعام كفر رغم ما منّ الله عليه من علمٍ غزير، وأصبح كافراً بعد أن كان من المؤمنين. لمّا علم نبي الله بهذا الأمر، قرّر أن يسير بقومه إلى أهل مدين، لدعوتهم لدين الحق وترك ما يعبدون من غير الله. وعندما علموا بالأمر، ذهبو مسرعين إلى بلعام لعلّه يجد لهم طريق الخلاص، ومع علمهم بأن بلعام رجل مجاب الدعوة، طلبو منه أن يدعو على موسى وقومه، فرفض رفضاً شديداً، وذلك لعلّمه بأن موسى نبي الله ولا سبيل له عليه، إلّا أن قومه لم يتركوه حتّى أقنعوه بذلك وأطاعهم بصعود الجبل ليدعو على سيدنا موسى ومن معه.
وعندما بدأ بالدعاء، كان لسانه لا يقبل الدعوة على موسى وقومه، بل بدلاً من ذلك حوّل الله لسانه بالدعاء على أهل مدين، وكلّما دعا لقومه بالنصر، حوّل الله لسانه إلى قوم موسى، مما أثار غضب قومه وظنّوا أنه يقصد فعل هذا الأمر، فهاجموه، وطلبوا منه تبرير هذا الفعل، فأخبرهم بعدم قدرته، وأن هذا الأمر خارجٌ عن إرادته، ولتبييض صورته عند قومه، اقترح عليهم بأن يُرسلوا نسائهم إلى قوم بني اسرائيل بغرض بيع السلع، وأن لا تمتنع أي منهنّ على من يطلبها من بني اسرائيل، وبذلك يرتكب بنو اسرائيل المعاصي ويخذلهم الله.
وبالفعل، حدث ما خطط له بلعام، ووقع أحد الأشخاص من قوم بني اسرائيل بالمعصية، يدعى بزمري بن شلوم بامرأة تسمّى بكشى بنت صور بعد أن افتتن بها، وذهب بها إلى موسى عليه السلام وأخبره بأنه سيعصي الله معها ويفعل وما يريد ويهوى. فعاقب الله بني اسرائيل بالطاعون، ومات منهم كما ورد قرابة السبعين ألف شخص.
في تلك الأثناء، كان هناك شخص يُدعى صحاح بن عيراد وكان غائباً عن المدينة، ولمّا علم بما فعله بزمري، ذهب إليه وقتله وخرج به من قبّة البيت، ودعا ربّه وهو يقول: اللهم هذا ما نفعله بمن يعصيك، فعفى الله عنهم ورفع عنهم الطاعون، ونصرهم على أهل مدين.
أمّا بلعام بن باعوراء، فكان جزاؤه أن قُتِل على يد بني اسرائيل، ووعده الله بالطرد من رحمته والعذاب الأليم في يوم القيامة. وهذا هو جزاء كل من يعصي الله ولم يستجب لأوامره، فبالرغم من علم بلعام الغزير، إلا أن الشيطان تغلّب عليه وأوقعه في شركه.
Comments